lundi 14 novembre 2011
حلم "آجُورَا" في زمن "الغُورَه"
الحلم! إنّه حق مشروع تكفله لنا إنسانيتنا، وقد علّمنا الأوّلون أن الحلم إمكان حقيقة ما لم يكن الخذلان، فمن خذلنا وعلى الحلم أغار؟ تبا للمتشابهات المتنافرات تمتهن، في اللغات، عقوق المعنى! أهدينا العمر لحلم "آجُورَا" وما وجدنا إلاّ "الغُورَه" ثقافة متجذّرة فينا ومنهج حياة وعنوان ممارسة للوجود!
أمس، أغار الحكام على كرامتنا والأحلام تحت مسميات "دولة القانون والمؤسسات والتعددية الحزبية والحوار الشفاف، وأوهمونا أنّنا نخوض حياتنا في جوّ "آجُورِيّ" وحين اكتشفنا زيف ما يقولون وتأكّدنا أن كلامهم السمّ دُسّ لنا في الدسم، ناشدنا الرفض بداخلنا التجلّي، فكان القمع ميلاد قهر في زمن "الغُورَه" وصعقتنا المسافات الفاجعة قائمة دوننا وحلم "آجُورَا". تقلّبنا بين الصمت والتململ والاستنكار واحتاجت منّا الـ"لا" هدر السنوات تلو السنوات، من عمرنا الجميل، حتى تولد.
وحان وقت الصرخة، وصرخنا! كإعصار، كطوفان...!
حين كنت وسط الجموع الغاضبة يوم الرابع عشر من يناير 2011، شعرت أن للغضب طعم الفرح والحياة، تلونت رعشة وجهي والصوت بين البهجة واشتهاء الدمع... يــاه كنّا كلّنا هناك، كل منّا جاء ومن أعماقه يتفجّر صوت عائلة وربما قرية نائية وكثير من الأصدقاء. يومها شعرت أن كل فرد منا هو صوت جَمْعِيّ أقوى من أن يضيع صداه في المدى، بل إنّ المدى صار امتدادا للصوت والحلم، حينها راودني الحلم من جديد، أينع بداخلي وكأنه بذرة غازلت الحرية ترابا يحضنها فقررت أن تبزغ نُشْدَانًا للميلاد، للحياة. وحدثتني الساكنة أعماقي بأنّ هذا الشارع سيشهد ميلاد ثقافة "آجُورَا" وترسّخها فينا.
لكن... تبا للأخوات الزائفات في اللغات!
أفنينا العمر في الحلم بثقافة "آجُورَا" فإذا بنا شتات يفسح المجال لثقافة "الغُورَه"، واستيقظنا غداة ميلاد الربيع لنتبيّن أنّ الحلم تبخّر، وأنّ المسافات بعدها سحيـــقة، يا لفجائعية الساحة! لا قمح في الحقل ولا حرمة لدم التراب ولا هيبة لشعب المعاول والأقلام! إنّ لثقافة "الغُورَه" في زمننا ألف ألف حارس وأطنان من حديد ونار، وإنّ القائمين على حماية عرشها أكثر من أن ترعبهم انتفاضة الجموع.
قررنا ذات طفرة انتشاء أن نغيّر الأسماء ولم ننتبه أنّ الحلم يحتاج آليات فعل أقوى من مجرّد إنزال لافتة وصورة. اللعنة! المشهد هو ذاته، لكن بمسميات جديدة: "ثورة 14 المجيدة" و"شهدائنا الأبرار" و"إرادة الشعب"... وهاهي "الغُورَه" في أبهى حللها تُمارَس اليوم في ساحة أردناها "آجُورَا" فما أمسكت أصابعنا سوى رمل الحلم وسراب الحق، من كلّ صوب طلع علينا المتكلمون باسم الشعب وما من أحد فيهم يهمه الشعب ولا إرادته.
يا لغَيّها الأخوات الخائنات في اللغات!
تخون أصوات الكلمات، اليوم، المعنى وتسوق إلى المقصلة الحلم، ولهواة الانتظار ألف عذر لمنعنا من الصراخ ولعزل الرافضين وتفريقهم. وإمعانا في الفعل "الغُورَوِيّ"، قام بيننا أحد وجوه زمن "الغُورَه" خطيبا، وأعلن أنه "زمن الصدق في القول والإخلاص في العمل"! تنظر حولك لا صدق في الساحة ولا العمل كائنٌ! غير أنّه قد هزّ أرجاء المكان تصفيق المبايعين! وللتصفيق كيمياء سحرية، تخمد جذوة تغالب الانطفاء، وتحكم على الجموع بالعودة إلى عصر القطيع، وحين الصف الأول يصيح "بَعْ بَعْ" تردد الجموع "بَعْ بَعْ".
تسري المرارة في الدماء، رِجْلٌ ثابتة وأخرى تحاول رسم اتجاه الخطوة! الحيرة تحاصرنا والخيبة تتهددنا، أهي قفزة إلى الأمام؟ أم هي خطوة للوراء باسم التريث؟
الانسحاب عارٌ وقوى التنويم تُغِيرُ على شعب طيب ينشد الاستقرار، فهذا القائم على مصالح الربّ في الأرض يدعو لاستبدال الحياة بالآخرة وإلا فالقصاص! وذلك حامي مصالح الخونة يدعو لاعتزال ساحات التعبير وإلا فالجوع! وذاك حارس هيبة، لا تتحقق إلا بإذلال الشعب، يدعو إلى الصمت وإلا فالسياط! كلّ له مهمته "الغُورَوِيّة"! ونحن؟ من نحن؟ هل أنّنا شعب المفاعيل لكلّ حق الفعل فينا وكأن أرحام أمهاتنا مشوهة لا تنجب الفواعل.
الحلم إمكان حقيقة، لكن لولاه الخذلان! فمن خذل الحلم فينا؟ وأيّ سبيل للخلاص"؟
"ثورة الشعب" اليوم تنشد الاكتمال، والاكتمال يحتاج "شعب ثورة" يتحلى "بآخلاق آجُورِيّة"، يكون فعله قائما على وعي يرفض الفتنة والمتاجرة بالثوابت ولا يبايع على الخيانة و"الغُورَه" مهما كان حجم الضغوطات أوالمغريات.
ملاحظات:
-------
* آجُورَا: والبعض يكتبها "آغورا" ساحة آثينا القديمة وهي رمز الحوار الحضاري البناء، فيها وُلِد حلم تشريك الشعب في الحكم، ومنها اشتققت "آجُورِيّ" و"آجُورِيّة".
**الغُورَه: كلمة تونسية تعني أن يغتصب أحدهم ما ليس من حقه ومنها اشتققت "الغُورَوِيّ" و"الغُورَوِيّة".
*** الأخوات الخائنات/الزائفات والمتشابهات المتنافرات هي مصطلحات تُرْجُمِيّة تعبر عن كلمتين من لغتين مختلفتين تتشابهان صوتيا وتختلفان في المعنى حد التناقض أحيانا.
****
المقال نشر سابقاعلى موقع بيت التحرير
رفيقة بنت علي منتصري
dimanche 12 juin 2011, 20:25:00
Inscription à :
Publier les commentaires (Atom)
الاكتمال يحتاج شعب يتحلى بثقافة اجوريه
RépondreSupprimer............................
الف حارس وحارس واطنان من الحديد و مئات الالاف من
الصحائف والكلمات كلها تحمي ثقافة الغوَره